الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.ولاية برتقش شحنة بغداد. ثم إن المسترشد وقعت بينه وبين البرسقي منافرة فكتب إلى السلطان محمود في عزله عن العراق وإبعاده إلى الموصل فأجابه إلى ذلك وأرسل إلى البرسقي بالمسير إلى الموصل لجهاد الإفرنج وبعث إليه بابن صغير من أولاده يكون معه وولى على شحنة بغداد برتقش الزكوي وجاء نائبه إلى بغداد فسلم إليه البرسقي العمل وسار إلى الموصل بابن السلطان وبعث إلى عماد الدين زنكي أن يلحق به فسار إلى السلطان وقدم عليه بالموصل فأكرمه وأقطعه البصرة وأعاده إليها..وصول الملك طغرل ودبيس إلى العراق. قد ذكرنا مسير دبيس بن صدقة من الشام إلى الملك طغرل فأحسن إليه ورتبه في خاص أمرائه وجعل دبيس يغريه بالعراق ويضمن له ملكه فسار لذلك سنة تسع عشرة ووصلوا مدقوقا فكتب مجاهد الدين مهروز من تكريت إلى المسترشد بخبرهما فتجهز إلى دفاعهما وسار إليهما وأمر برتقس الزكوي الشحنة أن يستنفر ويستعبد فبلغت عدة العسكر اثني عشر ألفا سوى أهل بغداد وبرز خامس صفر سنة تسع عشرة وسار فنزل الخالص وعدل طغرل إلى طريق خراسان وأكثرت عساكره النهب ونزل رباط جلولاء وسار إليه الوزير جلال الدين بن صدقة في العساكر فنزل الدسكرة وجاء المسترشد فنزل معه وتوجه طغرل ودبيس فنزلا الهارونية واتفقا أن يقطعا جسر النهروان فيقيم دبيس على المعابر ويخالفهم طغرل إلى بغداد ثم عاقتهم جميعا عوائق المطر وأصابت طغرل الحمى وجاء دبيس إلى النهروان ليعبر وقد لحقهم الجوع فصادف أحمالا من البر والأطعمة جاءت من بغداد للمسترشد فنهبها وأرجف في معسكر المسترشد أن دبيس ملك بغداد فأجفلوا من الدسكرة إلى النهروان وتركوا أثقالهم ولما حلوا بالنهروان وجدوا دبيس وأصحابه نياما فاستيقظ وقبل الأرض بين يدي المسترشد وتذلل فهم بصلحه ووصل الوزير ابن صدقة فثناه عن ذلك ثم مد المسترشد الجسر وعبر ودخل بغداد لفتنة خمسة وعشرين يوما وسار دبيس إلى طغرل ثم اعتزموا على المسير إلى السلطان سنجر ومروا بهمذان فعاثوا في أعمالها وصادروا واتبعهم السلطان فانهزموا بين يديه ولحقوا بالسلطان سنجر شاكين من المسترشد والشحنة برتقش..الفتنة بين المسترشد والسلطان محمود. ثم وقعت بين برتقش الزكوي وبين نواب المسترشد نبوة فبعث إليه المسترشد يتهدده فخافه على نفسه وسار إلى السلطان محمود في رجب سنة عشرين فحذر منه وأنه ثاور العساكر ولقي الحروب وقويت نفسه وأشار بمعاجلته قبل أن يستفحل أمره ويمتنع عليه فسار السلطان نحو العراق فبعث إليه المسترشد بالرجوع عن البلاد لما فيها من الغلاء من فتنة دبيس وبذل له المال وأن يسير إلى العراق مرة أخرى فارتاب السلطان وصدق ما ظنه برتقش وأغذ السير فعبر المسترشد إلى الجانب الغربي مغضبا يظهر الرحيل عن بغداد إذ قصدها السلطان وصانعه السلطان بالاستعطاف وسؤاله في العود فأبى فغضب السلطان ودخل نحو بغداد وأقام المسترشد بالجانب الغربي وبعث عفيفا الخادم من خواصه في عسكر إلى واسط ليمنع عنها نواب السلطان فأرسل السلطان إليه عماد الدين زنكي بن أقسنقر وكان على البصرة كما ذكرناه فسار إليه وهزمه وقتل من عسكره ونجا عفيف إلى المسترشد برأسه فجمع المسترشد السفن وسد أبواب دار الخلافة إلا باب النوبى ووصل السلطان في عشر ذي الحجة من سنة عشرين ونزل باب الشماسية ومنع العسكر عن دور الناس وراسل المسترشد في العود والصلح فأبى ونجا جماعة من عسكر السلطان فنهبوا التاج في أول المحرم سنة إحدى وعشرين فضج العامة لذلك واجتمعوا وخرج المسترشد والشماسية على رأسه والوزير بين يديه وأمر بضرب الطبول ونفخ الأبواق ونادى بأعلى صوته يالهاشم! ونصب الجسر وعبر الناس دفعة واحدة وكان في الدار رجال مختفون في السراديب فخرجوا على العسكر وهم مشتغلون في نهب الدار فأسروا جماعة منهم ونهب العامة دور أصحاب السلطان وعبر المسترشد إلى الجانب الشرقي في ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد وأمر بحفر الخنادق فحفرت ليلا ومنعوا بغداد عنهم واعتزموا على كبس السلطان محمود وجاء عماد الدين زنكي من البصرة في حشود عظيمة ملأت البر والبحر فاعتزم السلطان على قتال بغداد وأذعن المسترشد إلى الصلح فاصطلحوا وأقام السلطان ببغداد إلى ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين ومرض فأشير عليه بمفارقة بغداد فارتحل إلى همذان ونظر فيمن يوليه شحنة العراق مضافا إلى ما بيده ويثق به في سد تلك الخلة وحمل إليه الخليفة عند رحيله الهدايا والتحف والألطاف فقبل جميعها ولما أبعد السلطان عن بغداد قبض على وزيره أبي القاسم علي بن الناصر النشاباذي لاتهامه بممالأة المسترشد واستوزر مكانه شرف الدين أنوشروان بن خالد وكان مقيما ببغداد فاستدعاه وأهدى إليه الناس حتى الخليفة وسار من بغداد في شعبان فوصل إلى السلطان بأصبهان وخلع عليه ثم استعفى لعشرة أشهر وعاد إلى بغداد ولم يزل الوزير أبو القاسم محبوسا إلى أن جاء السلطان سنجر إلى الري في السنة بعدها فأطلقه وأعاده إلى وزارة السلطان.
|